البلافرة الفلسطينيون
كاسم الشيطان أو أنجس دخل بلفور ووعده المدنس ذاكرة الفلسطينيين والأمة جمعاء كمفتاح لشر مستطير ما زلنا نتجرع ويلاته وطنا محتلا ودما مسفوحا ومقدسات مستباحة وفرقة مفروضة علينا وسرطانا مستشريا فينا!
استطعنا أن نناصبه العداء وظللنا نلعن ذكراه، ربحنا معارك ضده وضد تجلياته وتطوراته وخسرنا أخرى، ولكنه ظل عدوا واضحا، ظاهرا ومختلفا لا تلتبس علينا عداوته وآذاه ومؤامرته.
فهم ذلك من ورثوا العقلية البلفورية، ولكنهم كانوا أكثر ذكاء في إحلال وكلاء عنهم بوجوه تبدو عربية تلبس قناع العروبة على جلد الذئاب فيختلط الأمر على من يقاومون؛ هل يستلون سيوفهم أم يغمدونها؟ هل من أمامك صديق أو عدو؟ ثم في غمرة التساؤل والتحسر والدهشة تجد القصة تتكرر ليكون إخوة يوسف أول من يلقونه في الجب، وليطعن بروتوس صديقه قيصر بمجرد أن يدير ظهره، بل ويزيد بغمس يده في دمه متفاخرا!
تعب بلفور وأحفاده من حربنا إذ لم تعد تجدي أساليبهم، حتى مع تفوقهم العسكري، فاستمالوا شراذم من بيننا بثمن بخس، بكراسٍ مرذولة!
إلا أن بلافرة العرب تفوقوا على معلمهم، وبزُّوا كبيرهم، وتوسعوا على ميراث جدهم، فنرى وريثهم يتجرأ على عطية نبوية لصحابي جليل سكن فلسطين حتى قبل إسلامه، هو تميم الداري، الذي أقطعه الرسول صلى الله عليه وسلم أراضي الوقف في مدينة الخليل، له ولذريته من بعده لا ينافسهم عليها أحد، فجاء في حجة الوقف (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله إلى تميم بن أوس الداري، إن له قرية حبرون وبيت عينون؛ قريتهما كلهما سهلهما وجبلهما وماؤهما وحرثهما وأنباطهما وبقرهما، ولعقبه من بعده لا يحاقه فيهما أحد، ولا يلجمه عليهم أحد بظلم، فمن ظلمهم أو أخذ منهم شيئاً فإن عليه لعنة الله).
بالإرث والعطية النبوية، وبالحق الفلسطيني، وبعدالة القانون وسلطته؛ ضرب بلفور فلسطين عرض الحائط، متجاوزا الدين والتاريخ والتشريع والشعب، ليهب جزءا من أراضي الوقف هبة من لا يملك لمن لا يستحق، ممثلة في إرسالية الكنيسة الروسية في المسكوبية في الوقت الذي لم تستطع حكومة الانتداب ولا حتى حكومة الاحتلال فعل ذلك، فقد رفعت المسكوبية قضيتين لاستملاك جزء من أرض الوقف في عهد الانتداب والاحتلال ولم تمنحها المحكمتان ذلك لعدم إمكانية الاعتداء على أراضي الوقف أو التصرف فيها في غير منفعة المسلمين، فجاء بلفور الفلسطيني ليقوم بما لم يقم به الأعداء!!
وفي الوقت الذي يتعدى فيه بلفور الفلسطيني على سلطة وسيادة القانون وقرارات المحاكم العليا، بإيقاف الاستيلاء على أراضي الوقف من السلطة لمصلحة الكنيسة، نجد على الطرف المقابل حملات قوانين بالجملة يشرعنها الكيان الصهيوني ضدنا وضد شعبنا في فلسطين المحتلة عام ٤٨ والقدس والضفة، تدفع بمزيد من العنصرية والتمسك بيهودية الدولة، حيث أقر الكنيست بعد الانتخابات الأخيرة ٨٢ قانونا داعما للاحتلال والاستيطان من أيار ٢٠١٥ إلى آب ٢٠١٦ هذا غير ٥٧ قانونا مدرجا على جدول الأعمال!
يمتهن بلافرتنا الجدد الفلسطينيون انتهاك القانون بينما يحرص الهرتزلييون الأحفاد (نسبة إلى ثيودور هرتزل) على شرعنة وجودهم واستئصال أعدائهم!
لقد استشرف الشيخ محمد رشيد رضا وجود مثل هؤلاء الخونة من أبناء جلدتنا؛ فهذه طبيعة القضايا العظيمة تجد لها من يطعنها في الظهر من أبنائها قبل أعدائها، فقال فيهم منذ أوائل الثلاثينات من القرن الماضي “إن من يبيع شيئا من أرض فلسطين وما حولها لليهود والإنجليز فهو كمن يبيعهم المسجد الأقصى، وكمن يبيع الوطن كله، لأن ما يشترونه وسيلة إلى جعل الحجاز على خطر، فرقبة الأرض في هذه البلاد هي كرقبة الإنسان من جسده وهي بهذا تعد شرعا من المنافع الإسلامية العامة لا من الأملاك الشخصية وتمليك الحربي لدار الإسلام باطل وخيانة لله ولرسوله ولأمانة الإسلام”.
كتب الصحفي الإنجليزي هارولد بجبي عن بلفور في مذكراته “كان بلفور شخصية أنانية! كان مستعدا أن يفعل أي شيء للبقاء في السلطة، ولكنه لم يبق له أثرا طيبا يخلده في قلوب أبناء وطنه! إنه كصحراء خاوية ليس فيها أي معالم ولا آثار، ولا حتى شاهد قبر يمكن لصديق أن يبكي أمامه!”
هل يذكركم هذا بوصف البلفور الفلسطيني و هل يستقرأ مصيره؟!
كان بلفورا واحدا عدوا أجنبيا، واليوم صاروا بلافرة كثيرين من أبناء جلدتنا…و هم أعداء أيضا إذا باعونا كما باعنا!
كتب الشاعر خالد أبو العمرين:
كل المخازي باسمهم
باسم الوطن
كل الذي حاكوه خلف ظهورنا
اليوم يخرج للعلن
من باع شبرا من بلادي
بعته وبلا ثمن
المصدر : المركز الفلسطيني للإعلام